11
(الثاني) -أن فورية وجوب الحج هي التي تقتضيها الأوامر الواردة في الشريعة،
و ذلك بتقريب أنه لا ينبغي الارتياب في أن فعلية كل حكم تابعة لفعلية موضوعه، فتكون نسبة الحكم إلى الموضوع كنسبة العلة إلى معلولها من حيث الترتب، فمع تحقق الموضوع جامعا للشرائط حدوثا بالوجدان و بقاء كذلك أو بالأصل يتحقق الحكم و لا ينفك الحكم ايضا عن البعث أو الزجر. و لا يخفى أن الحكم الفعلي البعثى أو الزجرى يقتضي الانبعاث أو الانزجار فعلا بحكم العقل، فلا ينفك الانبعاث أو الانزجار الفعلي عن فعلية الحكم، و لا يتأخر عنها، و إلا لزم الخلف، فحينئذ يجب فورا.
و ليس مرادنا بما ذكرنا من فعلية الانبعاث دلالة الأمر على الفور، حتى يقال إنه لا يدل على الفور و لا التراخي، كما ذهب إلى ذلك المحققون من الأصوليين، بل يدل على نفس الطبيعة من دون لحاظ خصوصية من خصوصياتها لا بمادته و لا بهيئاته، بل المراد هو أن العقل حاكم بلزوم الانبعاث من بعث المولى و لزوم الإطاعة و عدم جواز الإهمال.
و فيه: مضافا الى عدم التزام أحد به في غير المقام: أن فورية الانبعاث تابعة لكيفية البعث، فربما يكون مطلوب المولى من البعث إلى شيء هو البعث إلى الإتيان به فورا فيحكم العقل بلزوم الانبعاث فورا، و إلا لزم الخلف. و اخرى، يكون مطلوبه البعث إلى شيء مطلقا بدون نظر الى الإتيان به فورا أو تراخيا، فحينئذ لا يحكم العقل بلزوم الانبعاث فورا، و كون مطلوب المولى فيما نحن فيه الفور أول الكلام فلا يمكننا إثبات الفورية بهذا الدليل.
(الثالث) -كون فورية وجوب الحج من مرتكزات المتشرعة قديما و حديثا،
بحيث يذمون تارك الحج في عام الاستطاعة مع عدم عذر مسوغ لتأخيره عن ذلك العام، و لا يرون لأحد ان يتسامح في المشي و المسير الى الحج بعد اجتماع شرائطه، و يسمى هذا الوجه بالإجماع الارتكازي.
و فيه: أولاأن دعوى القطع بارتكازية ذلك في أذهانهم بحيث لا يجوزون التأخير بعد تحقق الموضوع حدوثا بالوجدان، و بقاء الى آخر الأعمال بالأصل عن عام الاستطاعة أول الكلام.