16صعيد واحد من دون إجراء موازنة بينها.
ويُطلق تارة أخرى على : جمع الآراء الفقهية المختلفة، وتقييمها، والموازنة بينها بالتماس أدلتها، وترجيح بعضها على بعض.
قال ابن خلدون : ( إعلم إنّ هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كَثُرَ فيه الخلاف بين المجتهدين، باختلاف مداركهم وأنظارهم، خلافاً لابدّ من وقوعه لما قدّمناه، واتسع ذلك في الملّة اتساعاً عظيماً، وكان للمقلّدين أن يقلّدوا من شاءوا منهم، ثم لمّا انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار، وكانوا بمكان من حسن الظنّ بهم، اقتصر الناس على تقليدهم، ومُنِعوا من تقليد سواهم، لذهاب الاجتهاد وصعوبته، وتشعّب العلوم التي هي مواده باتصال الزمان، وافتقاد من يقوم على سوى هذه المذاهب الأربعة.
فأقامت هذه المذاهب الأربعة أصول الملّة، وأُجري الخلاف بين المتمسكين بها، والآخذين بأحكامها مجرى الخلاف في النصوص الشرعية، والأصول الفقهيّة، وجَرت بينهم المناظرات في تصحيح كُلّ منهم مذهب إمامه، تجري على أصول صحيحة، وطُرق قويمة، يحتجّ بها كلّ على مذهبه الذي قلّده وتمسّك به، وأُجريت في مسائل الشريعة كلّها، وفي كلّ باب من أبواب الفقه.
فتارة يكون الخلاف بين الشافعي ومالك وأبوحنيفة يوافق أحدهما، وتارة بين مالك وأبي حنفية والشافعي يوافق أحدهما، وتارة بين الشافعي وأبي حنيفة ومالك يوافق أحدهما، وكان في هذه المناظرات بيان مآخذ هؤلاء الأئمة، ومثارات اختلافهم، ومواقع اجتهادهم) 1.
الفقه المقارن وأثره في استنباط الأحكام الشرعية
ويظهر أثر هذا المنهج العلمي في استنباط الحكم الشرعي ، في محاولة للبلوغ إلى الأحكام الفقهية من أيسر طرقها وأسلمها ، ومن خلال الفصل بين الآراء المختلفة،