31
صَبْرًا) 1.
ولو سلم أنّه ظاهر في تأبيد النفي للدنيا والآخرة معاً فإنّه لايأبى التقييد، كقوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) 2، فلم لا يجوز أن تكون أمثال قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) 3مقيدة لهذه الآية مبينة لمعنى التأبيد المستفاد منها.
والذي ذكرناه من رجوع نفي الرؤية في قوله تعالى: (لَنْ تَرَانِي) إلى نفي القدرة على الرؤية يؤيده قوله تعالى بعده: (وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) 4؛ فإنّ فيه تنظير إراءة نفسه لموسى عليه السلام بتجليه للجبل، والمراد أنّ ظهوري للجبل مثل ظهوري لك عليه السلام فإنْ استقر الجبل مكانه، أي بقي على ما هو عليه وهو جبل عظيم في الخلقة قوي في الطاقة، فإنّك أيضاً يرجى أنْ تطيق تجلي ربك وظهوره.
فهذه الآية لا تدلّ على استحالة التجلي، كيف وقد تجلى له؟ بل هي إشهاد وتعريف لعدم استطاعته وإطاقته للتجلي وعدم استقراره مكانه، أي بطلان وجوده لو وقع التجلي كما بطل الجبل بالدك، وقد دلّ عليه قوله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ