16والمشاهدة وراء الرؤية البصرية الحسية، وهي نوع شعور في الانسان، حيث يشعر بالشيء بنفسه من غير استعمال آلهٍ حسيةٍ أو فكريةٍ، وأنّ للإنسان شعوراً بربه غير ما يعتقد بوجوده من طريق الفكر واستخدام الدليل، بل يجده وجداناً من غير أنْ يحجبه عنه حاجب ولا يجرّه إلى الغفلة عنه إلا اشتغاله بنفسه وبمعاصيه التي اكتسبها، وهي مع ذلك غفلة عن أمر موجود مشهود وليس عدم علمٍ بالكلية ومن أصله، فليس في كلامه تعالى ما يشعر بذلك البتة، بل عبرّ عن هذا الجهل بالغفلة وهي زوال العلم بالعلم لا زوال أصل العلم، فهذا ما بينه كلامه سبحانه، ويؤيده العقل بساطع براهينه، وكذا ما ورد من الاخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام على ما سيأتي.
والذي يظهر من كلامه تعالى أنّ هذا العلم المسمى بالرؤية واللقاء يتم للصالحين من عباد الله يوم القيامة كما يدلّ عليه ظاهر قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) 1، فهناك موطن التشرف بهذا التشريف، وأمّا في هذه الدنيا والإنسان مشتغل ببدنه، ومنغمر في غمرات حوائجه الطبيعية، وهو سالك لطريق اللقاء والعلم الضروري بآيات ربه، كادح إلى ربه كدحاً ليلاقيه، فهو بعد في طريق هذا العلم و لم يتم له حتى يلاقي ربه،