14الأوهام، فقدرته تعمّ المقدورات، وعلمه يعمّ المعلومات، وإرادته تعمّ المرادات، لا يكون إلاّ ما يريد ولا يريد ما لا يكون، وهو المتعالي عن الحدود والجهات والأقطار والغايات المستغني عن الأماكن والأزمان.. 1.
فالمنهج الرباني قائم على التنزيه المطلق لوحدانية الله جلّ وعلا، فلا تدركه الأبصار وهو يدركها، وليس كمثله شيء؛ لأنّه قديم ومن صفة القديم أنّه واحد أحد صمد؛ فالتوحيد هو أن لا نتوهّمه، والعدل أن لانتّهمه، فلا تناله الأوهام فتقدّره، ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره، ولا تدركه الحواس فتحسّه، ولا تلمسه الأيدي فتمسّه. فيجب أن لانتوهّمه ولا نتّهمه بفوقية أو تحتية أو نزول أو صعود أو جهة أو مكان أو...
فالتوحيد الخالص والوحدانية المطلقة تقتضي عدم التأثّر بالفهم البشري الحسي والمادي، وأن يخرج هذا الفهم عن دائرة القياس والأُنس بذاتيات الأشياء التي يميل إليها الإنسان بطبعه وجبلّته.
وتأسيساً على ما تقدّم جاء هذا الكتاب لبيان أنّ هناك منهجاً قد تأثّر بالمفهوم الحسي في تعامله مع النص القرآني والحديثي وعدم الفهم الحقيقي لمعاني الصفات التي تناولها ذلك النص - ألا وهو منهج ابنتيمية- ونعتقد أنّ ما وصل إليه من هذه النتائج المعكوسة لفهم التوحيد، هي نتاج ما آمن به من مقدّمات غير صحيحة؛ وكذلك ما فهمه من تقسيمات للتوحيد؛ كتوحيد الربوبية والأُلوهية والصفاتية، وما انفرد به من عقائد؛ كقيام الحوادث بذاته تعالى، وصدور الحوادث عن الله لا أوّل لها و.. وشبهات وقع فيها؛ كإنكاره للمجاز والتأويل، وغير ذلك كما سيأتي في مطاوي هذا البحث.