59
ابنأبيسرح، فشخص محمّد بن أبي بكر وشخصوا جميعاً. فلمّا كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة، إذا هم بغلام أسود على بعير، وهو يخبط البعير خبطاً، كأنَّه رجل يطلب أو يُطلب، فقال له أصحاب محمّد بن أبيبكر: ما قصّتك وما شأنك، هارب أو طالب؟ فقال لهم مرّة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال مرّة أُخرى: أنا غلام مروان، وجَّهني إلى عامل مصر برسالة. قالوا: فمعك كتاب؟ قال: لا، ففتَّشوه فلم يجدوا معه شيئاً، وكانت معه إداوة قد يبست، وفيها شيء يتقلقَل، فحرَّكوه ليخرج، فلم يخرج، فشقُّوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح.
فجمع محمّد مَن كان معه من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثُمَّ فكَّ الكتاب بمَحضرٍ منهم، فإذا فيه: " إذا أتاك محمّد بن أبي بكر وفلان وفلان، فاحتَل لقتلهم، وأبطِل كتاب محمّد، وقرّ على عملك حتّى يأتيك رأيي، واحبس مَن يجيء إليّ متظلّماً منك، إن شاء الله" 1.
وأخرج ابن شبّة النميري الحادثة - أيضاً - في «تاريخ المدينة»، من طريق سعيدبن المسيّب، بزيادةٍ، حيث جاء فيه:
قال: فلمّا قرؤوا الكتاب، فزعوا ورجعوا إلى المدينة، وختم محمّد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه، ودفع الكتاب إلى رجلٍ منهم، فقدم المدينة، فجمعوا طلحة والزبير وعليّاً وسعداً، ومَن كان من أصحاب رسولالله (ص) ،ثُمَّ فكُّوا الكتاب بمَحضرٍ منهم، وأخبروهم بقصّة الغلام، وأقرؤوهم الكتاب، فلم يبقَ أحد من أهل المدينة إلاّ حنقَ على عثمان، وزاد ذلك مَن كان غضب لابن مسعود وأبيذر وعمّار، حنقاً وغيظاً، وقام أصحاب محمّد فلحقوا بمنازلهم، وحاصر النّاس عثمان، وأجلب عليه محمّد بن أبي بكر ببني تميم وغيرهم، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيدالله، وكانت عائشة تقبّحه كثيراً.
فلمّا رأى ذلك عليّ، بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمّار، ونفر من