29شكر تلك النعم الإلهيّة فهو عبد حقيقي شكور، فلذا تجده يقول في كلمة يحدد فيها هذا المسار الإلهي، ويجعلها وثيقة معرفيّة ترسم لنا بعداً من أبعاد ضرورة كون الإنسان الكامل شاكراً لله تعالى؛ ليمثّل بذلك أعلى مراتب الفناء الذاتي والصفاتي والأفعالي في ذات الله وصفاته وأفعاله، والبقاء ببقائه تعالى ليكون بحق مظهراً تامّاً لتوحيد الله تعالى في مساراته الثلاثة، أي: توحيد الذات وتوحيد الصفات وتوحيد الأفعال، وبذلك يحقق الغرض الإلهي من إيجاد ووجود «الإنسان الكامل» والخليفة والحجّة في عالم الإمكان بأسره، والّذي انبثق من الحركة الحبّية للحقّ تعالى - أي: حبّ الحقّ لذاته - ، وليس الحركة الاستكمالية الباطلة عقلاً ونقلاً، كما هو معلوم في مظانه من الأبحاث المعرفيّة.
ومعنى الحركة الحبّية من الحقّ تعالى أنّه أراد أن يرى كمالاته في مرآة ومظهر تام تبرز تلك الكمالات الإلهيّة ويعكسها، وبهذا يكون المظهر الأتم معبّراً وطريقاً للتوحيد الحقيقي للحقّ تعالى، وعليه تترتب مسألة الهداية سواء الإرائية أم الإيصالية - كما في هداية الإمامة - فمن عرفه فقد عرف الحقّ، ومن جهله فقد جهل الحقّ تعالى؛ لكونه الآية الكبرى والنبأ العظيم والصراط المستقيم، وما إلى ذلك. 1
فعلى ما تقدّم يتضح لنا شيء من أسرار هذه الكلمات النورية للإمام علي عليه السلام في هذا الصدد، حيث يقول:
1- أنا الحجّة العظمى، والآية الكبرى، والمثل الأعلى. 2