35 الأمر لقريش، لمكانها من نبيّها، ورأى صلحاء الناس من قريش، والأنصار وغيرهم، وسائر الناس وعوامها، أن يولّوا من قريش هذا الأمر أقدمها إسلاماً وأعلمها بالله، وأحبّها وأقواها على أمر الله، فاختاروا أبابكر، وكان ذلك رأي ذوي الدين، والفضل، والناظرين للأُمّة، فأرفع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولميكونوا متَّهَمين، ولا فيما أتوا بالمخطئين، ولو رأى المسلمون أنّ فيكم من يُغني غناءه ويقوم مقامه، ويدبّ عن حريم الإسلام دبّه، ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه، ولكنَّهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحاً للإسلام وأهله، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيراً.
وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبي، فلو علمت أنَّك أضبط منّي للرعية، وأحوط على هذه الأُمّة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدو، لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ولو رأيتك لذلك أهلاً لسلَّمت لك الأمر بعد أبيك، فإنّ أباك سعى على عثمان، حتى قتل مظلوماً فطالب الله بدمه، ومَن يطلبه الله فلن يفوته، ثُمَّ ابتز الأُمّة أمرها، وخالف جماعتها، فخالف نظراءه من أهل السابقة والجهاد، والقدم في الإسلام، وادَّعى أنّهم نكثوا بيعته، فقاتلهم، فسُفكت الدماء، واستحلَّت الحرم، ثُمَّ أقبل إلينا لا يدّعي علينا بيعة، ولكنَّه يريد أن يملكنا اغتراراً، فحاربناه وحاربنا، ثُمّ صارت الحرب، إلى أن اختار رجلاً واخترنا رجلاً، ليحكما بما يصلح عليه، وتعود به الجماعة والألفة، وأخذنا بذلك عليهما ميثاقاً، وعليه مثله، على الرضا بما حكما، فأمضى الحكمان عليه الحكم بما علمت وخلعاه، فوالله ما رضى بالحكم، ولا