57سبيل الفساد والعناد ، وصيّر نفسه أخسّ العباد .
فمن حقّق نظره واستعمل فكره ، وجد نفسه أجهل الجاهلين بعظمة هذا العظيم .
فلا يقدّره أحد قدره ولا يعرفه سواه ، وإن قرّبه وأدناه فسبحانه ما اثنىٰ عليه حقّ ثنائه غيرُه ، ولا وصفه بما يليق به سواه عجز الأنبياء والمرسلون عن ذلك ، قال أجلّهم قدراً وأرفعهم محلاً وأبلغهم نُطقاً ، مع ما أُعطي من جوامع الكَلِم : «لا أحصي ثناءً عليك ، أنت كما أثنيتَ علىٰ نفسك» .
ومن تأمل كلام اللّٰه - عزّ وجلّ - وجده محشواً بتنزيهه تارةً بالتصريح ؛ وتارة بالتلويح ، وتارة بالإشارات ، وتارة بما تقصر عنه العبارات .
وهؤلاء 1 العلماءُ ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، الذين قربوا من درجة النبوّة ، لأنّهم دلّوا الناس علىٰ ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ويرجح مدادهم علىٰ دم الشهداء ، ويستغفر لهم من في السموات و الأرض حتّىٰ الحيتان في الماء ، وهم أمناء اللّٰه - عزّ وجلّ - في أرضه ، وأحدهم علىٰ الشيطان أشدّ من ألف عابد .
وقد قيل في قوله تعالىٰ : رَبِّ زِدْنِي عِلْماً 2 : أي زدني علماً بالقرآن ومعانيه .
وهؤلاء لهم علم لَدُنيّ يرد علىٰ قلوبهم من غيب الهدىٰ ، لها جَوَلان في الملكوت ، فترجع الىٰ صاحبها بطرائف الحكمة من غير أن يلقي إليها عالم علمه .