12وإذا كان كلّ إنسان مولوداً على الفطرة - كما عن رسول الله (ص):
«كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني: المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه» 1 - إذن فكلّ إنسان مولود على التوحيد؛ لأنّ الفطرة هي التوحيد ومعرفة الله سبحانه.
وهكذا صار الأصل الأوّل من أصول الدين توحيد وجود الله تعالى لا إثبات وجوده.
الكمال والمعرفة التوحيدية
هناك صلة بين الكمال والمعرفة التوحيديّة. فالإنسان مشدود في حركته الحياتيّة إلى كماله, وثَمَّ نقطة يلتقي عندها الكمال بالتوحيد ينبغي معرفتها.
لقد أشار القرآن الكريم في آيات عديدة إلى أنّ كلّ شيءٍ مسخّرٌ لأجل الإنسان؛ قال تعالى: وَ سَخَّرَ لَكُمْ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ (الجاثية: 13), وحتى الملائكة مسخّرة لتدبير أمور الإنسان فَالْمُدَبِّرٰاتِ أَمْراً (النازعات: 5), فيما تقوم به وفاقاً لدورها في إنزال الوحي والرزق وغير ذلك. ما تهدف إليه حركة التسخير هذه هو أن يتحرّك الإنسان صوب كماله النهائي.
وعندما نأتي إلى القرآن لنستنطقه عن هدف الخلق, يواجهنا قول الله سبحانه: وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56). وهذه العبارة لا تمثّل الهدف النهائي لوجود الخلق وإنّما هي وسيلة فقط لبلوغ الكمال النهائي المتمثّل في اليقين بالله وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر: 99).
والذروة في هذا اليقين هو ما بلغه أنبياء الله العظام على هذا الخطّ, حيث يصف القرآن الكريم مقام خليل الرحمن بقوله: وَ كَذٰلِكَ نُرِي إِبْرٰاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (الأنعام: 75).