10وإذا ما أشرفنا على المسألة من جهتها الأخرى حيث يقابِل الشركُ التوحيدَ, ستبرز تجلّيات وآثار أخرى للتوحيد في الحياة العمليّة.
يحسب الإنسان نفسه موحِّداً, بيد أنّه في الواقع مشرك, يتحرّك تحرّكاً شركياً, وكلّ ما هناك هو الاختلاف في مصداق الشرك, فبعض مصاديقه واضح وبعضها خفيّ, وبعضها ملتبس, وقد تظافرت الأحاديث في أنّ الشرك ينقسم إلى جليّ وخفيّ, وأنّه أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء! لذلك لا ينبغي أن ينحصر تصوّر الشرك في أذهاننا على مصداقه الواضح الذي ينصرف إلى عبادة الأصنام, وإلا فهل الذي يتّجه إلى الصنم ويتوسّل إليه هو وحده المشرك, أمّا الذي يتّجه إلى عبادة المال أو إلى عبادة هواه وإطاعته فهو موّحد؟!
لابدَّ من العودة إلى كتاب الله لننظر الحدود التي يرسمها بين التوحيد والشرك؛ يقول تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ (الجاثية: 23), وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوٰاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّٰهِ (القصص: 50).
ثمَّ يأتي النهي عن اتّباع الهوى: فَلاٰ تَتَّبِعُوا الْهَوىٰ (النساء: 35), وَ لاٰ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنٰا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنٰا وَ اتَّبَعَ هَوٰاهُ (الكهف: 28).
قد يتساءل بعض الناس عن فائدة هذا البعد, وهل هناك مشكلة تعود على الإنسان إذا ما جهل مراتب الشرك؟ نقول: أجل, هناك مشكلة تنبع من قوله سبحانه: إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ (النساء: 48).
فطرة التوحيد
المنهج القرآني في التوحيد يتجنّب البحث - كما أسلفنا - في إثبات وجود الله, ويتناول موضوعه في زاوية توحيد وجوده وألوهيّته وربوبيّته وغيرها من مراتب التوحيد؛ ومغزى ذلك أنّ القرآن يتعامل مع وجود الله كأمرٍ ثابتٍ