7فجميع ذلك مصداق خلقه المتجلّي به للمخلوق، فأيّ مخلوقٍ عَرَفَ نفسَه يعرف ربّه بمقدار معرفته، و لا خصيصة لهذا الأصل بالإنسان، و إن كان له حظٌّ وافرٌ، و لا يمكن أن لا يَعرف مخلوقٌ أيّ مخلوقٍ كان نفسه إلاّ بسوء عمله الذي يختلف باختلاف المخلوق شدةً و ضعفاً، و كلّ مخلوق عرف نفسه يعرف خالقه المتجلّي له بالضرورة.
و حيث إنّ درجات التجلّي متفاوتةٌ فكلّ مقدارٍ نَقَصَ منه ينتزع من القدر الناقص عنوان التجافي المقابل للتجلّي، إذا الميز بينهما بأنّ المتجلّي يكون جامعاً بين الدرجات بنحوٍ إذا هبط إلي الأرض يكون موجوداً في السماء أيضاً، و إذا نزل إلي السِفل يكون موجوداً في العلو و يصير مظهراً لله الذي هو دانٍ في علوّه و عالٍ في دنوّه، بلا اتّحاد و لا حلولٍ، و بأنّ المتجافي لايكون كذلك، حيث إنّه إذا كان عالياً لم يكن سافلاً، وإن كان هابطاً لم يكن صاعداً، و ذلك كالمطر حيث إنّه مادام في سحاب السماء لا يكون في بحر الأرض أو نهرها، و مادام هبط إلي البرّ أو البحر لا يكون في سحابها.
مع أنّ كل شيءٍ مسبوقٌ بوجوده في خزائن الله سبحانه، و أنّ هبوطه إلي الأرض ليس بمعني خلوّ المخزن عما اختزن فيه؛ فما أفاده سبحانه بقوله: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ . 1 حقّ لا ريب فيه، إلاّ أنّ بين أنحاء التنزيل فرقاً.
إنّ القرآن قد نزل من لدن عليّ حكيم، و إنّ المطر أيضاً نزل من مخزنه، و لكن بينهما تفاوتاً من البدء إلي الختم، و من كيفية الانزال و ما إلي ذلك؛ فالقرآن نزل بالتّجلي الخاص كما أفاده مولانا أميرالمؤمنين(ع):
« فتجلّي لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه ». 2 والمطر نزل بالتّجافي فالقرآن بمثابة الحبل الممدود من الصدر