6وفي طليعة أُولئك ابن إسحاق المدنيّ ، صاحب السيرة ، الذي لا يُشقّ له غبارٌ في مجالها ، وقد توفّي (سنة 150ه ) والذي أصبحت مؤلّفاته من أوثق مصادرها وأصفاها وأنقاها ، حتّى قال فيه ابن خلكان : «الذي لا تجهل إمامته في المغازي والسير» .
ومن أُولئك ابن شبّة النميري البصري المتوفّىٰ (سنة 262ه ) عن عمرٍ ناهز (89) عاماً ، فقد أقرّ له مؤرّخو الإسلام بالضبط والعلم ، إلى الصدق والاعتماد ، إلى الجمع والسعة .
وهذه أخباره وآثاره تدلّ على ما وصفوه به ومدحوه من أجله .
ومن خيرة ما أخرجته مطابع العصر هو القسم المتبقىٰ من كتابه (أخبار المدينة المنوّرة) الذي حقّقه الأُستاذ محمّد فهيم شلتوت ، فأسدى إلى العلماء يداً تذكر وتشكر .
فالمراجع لهذا الكتاب يجد صدق ما يمتاز به ممّا وُصِفَ به مؤلّفه العلّامة الأخباري الأديب ، بالإضافة إلى ما فيه من طرائف الأخبار وجودة الاختيار ، مع بعدٍ عن العصبية والاستئثار؛ ممّا بُلِيَ به وُعّاظُ السلاطين ومرتزقةُ البلاط ممّن تلبّسوا بالعلم وتشبّهوا بأهله ، من الأُدباء والمؤرّخين ، الذين شوّهوا التاريخ وسوّدوا صحائفه بالزيف والباطل ، وإخفاء الحقّ .
كما أنّ أُولئك الغُواة والجناة على الحضارة الإسلاميّة ، عمدوا إلى ذلك التراث المجيد الصادق ، فأبادوه وأتلفوه ، حقداً وحنقاً منهم على محتواه من الحقائق الناصعة ، وعلى أهله وذويه وملتزميه ومعتنقيه .