288الأصنام، و كان ذلك إثما و ميلا من الحقّ إلى الباطل، و المسلمون كانوا يعدّونه كذلك، و لمّا انكسرت الأصنام زال ذلك، و لكن ما كان للمسلمين علم بذلك فيتحرّجون منه كما كانوا. فنزلت ليدفع عنهم ذلك و أشار بقوله: «شاكر و عليم» إلى أنّه يعلم أنّ نيّتكم الخير، و أنتم الشّاكرون المتعبّدون، فيعاملكم معاملة الشّاكرين بخلاف أهل الجاهلية، فيمكن معنى كون من تطوّع: من فعل السّعي الّذي هو الطّاعة، يعني إن فعلتم ذلك فعلتم خيرا و إحسانا، و اللّه لا يضيع أجركم، لعلمه و قدرته على ذلك، فيكون حينئذ التطوّع بمعنى الطّاعة مطلقا واجبة أو مندوبة لا النّافلة خاصّة فإنّه في الأصل من الطوع، و هو الانقياد كما مرّ، و هو متحقّق في النّفل و الواجب.
و أمّا وجوبه و ركنيّته و كيفيّته كما يقول به أصحابنا في الحجّ و العمرة مطلقا فبانضمام البيان بالسنّة الشريفة من النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام و لعلّه بإجماع الطائفة أيضا. و احتجّ مالك و الشافعيّة على الركنيّة بقوله صلّى اللّه عليه و آله اسعوا! فانّ اللّه كتب عليكم السعي أي فرض عليكم السعي بينهما كذا في تفسير القاضي و الكشاف و أنت تعلم أنّه لم يدلّ على سوى الوجوب، و أمّا كونه ركنا بحيث لو ترك عمدا يبطل الحجّ و العمرة، فلا دلالة فيه عليه، نعم يدلّ على أنّه واجب لا بدل له، فقول أبي حنيفة أنّه واجب له بدل باطل، لأنّه يقال علم الوجوب من الخبر و الأصل بقاؤه، و عدم إجزاء غيره، عنه فيدلّ عليه الخبر و الآية أيضا للخبر.
ثمّ إنّ الظاهر من الخبر أنّه فرض بالقرآن فيكون المراد بأنّهما من شعائر اللّه أنّهما من علامات العبادة الواجبة و هي السعي بينهما، و بأنّه لا جناح: أنّه صدقة واجب عليكم قبولها كما روي في آية القصر أنّ القصر صدقة عليكم فاقبلوها، و هل يحبّ أحدكم أن يردّ عليه صدقته؟ أي لا يحبّ بل يغتاظ فيحرم عدم القبول فيجب بالآية، و إن لم نقل بوجوبه بالآية فلا يضرّ، لما أشرنا إليه من أدلّة الوجوب و هي كثيرة و من جهة عدم الخلاف عندنا لم ننقلها.
و نقل في مجمع البيان عن ابن عبّاس و أنس و أبي حنيفة أنّه تطوّع و