28
بأداء المناسك عليها، و لا يسري الى ما يسار عليها من البلاد البعيدة في الطريق.
و من أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السفر احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النيّة، و إخلاص السريرة، و أداء حقيقة القربة، و التجنّب عن الرياء، و التجرّد عن حبّ المدح و الثناء.
و أن لا يجعل سفر هذاعلى ما عليه كثير من مترفي عصرنامن جعله وسيلة للرفعة و الافتخار، بل وصلة الى التجارة و الانتشار، و مشاهدة البلدان و تصفّح الأمصار.
و أن يراعي إسراره الخفيّة و دقائقه الجليّةكما يفصح عن ذلك ما أشار إليه بعض الأعلام:
ان اللّه تعالى سنّ الحج و وضعه على عباده إظهارا لجلالة و كبريائه و علوّ شأنه و عظم سلطانه، و إعلانا لرقّ النّاس و عبوديّتهم و ذلّهم، و استكانتهم، و قد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم، و الملاك لمماليكهم، يستذلّونهم بالوقوف على باب بعد باب، و اللبث في حجاب بعد حجاب، و انّ اللّه تعالى قد شرف البيت الحرام و أضافه الى نفسه، و اصطفاه لقدسه، و جعله قياما للعباد، و مقصدا يؤم من جميع البلاد، و جعل ما حوله حرما، و جعل الحرم آمنا، و جعل فيه ميدانا و محالا، و جعل له في الحلّ شبيها و مثالا، فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين، ثم أذّن في الناس بالحج ليأتوه رجالا و ركبانا من كلّ فجّ، و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شعثا غبرا، متواضعين مستكينين، رافعين أصواتهم بالتلبية، و اجابة الدعوة حتّى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول، و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرّعون اليه حتّى إذا طال تضرّعهم و استكانتهم، و رجموا شياطينهم بجمارهم، و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم اذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تفثهم، و ليطهروا من الذنوب الّتي كانت هي الحجاب بينهم و بينه، و ليزوروا البيت على طهارة منهم، ثم يعيدهم فيه بما يظهر كمال الرق و كنه العبوديّة فجعلهم (تارة) يطوفون فيه و يتعلّقون بأستاره، و يلوذون بأركانه (و اخرى) يسعون بين يديه مشيا و عدوا ليتبيّن لهم عزّ الربوبيّة، و ذلّ العبوديّة، و ليعرفوا أنفسهم، و يضع الكبر من رؤسهم، و يجعل نير الخضوع في أعناقهم، و يستشعروا شعار المذلّة، و ينزعوا ملابس الفخر و العزّة، و هذا من أعظم فوائد الحج.
مضافا الى ما فيه من التذكّر بالإحرام و الوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر و أهوال يوم القيامة، إذ الحجّ هو الحشر الأصغر، و إحرام الناس و تلبيتهم و حشرهم الى