8على الإِطلاق. و إِنما يعني أَنَّ لكلِّ علم سيراً معيَّناً خاصّاً به، و حقولاً تقليديَّةً تخصّه. فإِن التفت الباحث فيه إلى أيِّ جانب-أعني أي علم أو ثقافة أخرى-كان هذا بمنزلة الخروج عن الصّلب الأَساسيّ للبحث في ذلك العلم. و من هنا أمكن أن نصطلح عليه أَنَّه ما وراء ذلك العلم.
و هذا ليس شيئاً ذا أهمية واقعية. و إِنما هو مبرِّر لتسمية هذا الكتاب بالشكل المجازي الملطف.
و علم الفقه، و هو العلم الذي يتكفّل بيان الأَحكام في الشريعة الإِسلامية، و الاستدلال عليها، يعتبر مسيره الأَساس هو ذلك، أعني ذكر المسألة أو الفرض، ثم محاولة الاستدلال عليه بالكتاب و السُّنَّة، بما فيها القواعد الفقهية و الأصولية، المستنتجة من ذينك المصدرين نفسيهما.
و الكتب الاستدلالية في الفقه كثيرة، ليس كتابنا هذا منها، و إن صادف أن مارسنا الاستدلال فيه في فصول عديدة، إمعاناً في إيضاح الفكرة، إلاَّ أنَّ الهدف الأساسي منه ليس هو ذلك. و إنما الهدف الأساسي منه هو التعرّض إلى ما سمَّيناه ما وراء الفقه، و هي العلوم و المعلومات التي تدخل في عدد من مسائله ممَّا هي ليست فقهية بطبيعتها. و إنَّما تندرج في علوم أو حقول خارجة عن الفقه. و التي قلنا قبل قليل إنَّها-مجازاً-جانبية و ثانوية في الفقه، لأنَّها تتضمَّن التفاتاً من داخل الفقه أو صُلب العلم إلى ما هو خارج عنه.
و الفقه له ارتباط بهذا المعنى بمعلومات لا تُعد و لا تُحصى. لا يستطيع هذا الكتاب، و لا ما هو أوسع منه الإِحاطة بها، بل قد لا يمكن للطاقة الفردية البشرية ذلك.
و بالرغم من أن فصول الكتاب واضحة في هذا الارتباط، بالفلسفة، و اللغة، و النحو، و المنطق، و الفلك، و الفيزياء، و الكيمياء، و الطب، و علم النفس، و علم الاجتماع، و الرياضيات، و غيرها من العلوم، و كثير من المعلومات العامة التي لا حصر لها. إلاَّ أننا مع ذلك يحسن بنا إيجاز بعض الأَمثلة:
أولاً: ارتباط الفقه بالفلك من عدّة زوايا منها: ضبط الأشهر بحركات القمر، و ضبط أوقات الصلاة بحركات الشمس.