284
ألا ترى تقلّب الأطوار في
عنصرنا حتّى بعقل اصطفي
(و أردنا) في قوله تعالى إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [16/40]فالإرادة التكوينية كلمة «كن» الوجوديّة، و كلمة «كن» الحقيقيّة المحتاج إليها لهذه الكلمة الصوريّة أيضا هي الوجود الحقيقي الّذي به يطرد العدم من كلّ ماهيّة، و هي خطاب اللّه التكويني المتعلّق بالماهيّات الإمكانية و الموادّ المستعدّة و أحوالها و أفعالها، فيكون كلّ في مرتبته و وقته، فالآمر و المريد هو اللّه، و كلمة «كن» هي الوجود المنبسط، و «يكون» هو المهيّات.
و في نهج البلاغة عن عليّ عليه السّلام 1«إنّما يقول لما أراد 2«كن» ، فيكون، لا بصوت يقرع و لا بنداء يسمع، و إنّما كلامه سبحانه فعله» .
(شيّع) أي عمّم ذلك، فإنّ موارده لا تحصى كثرة، كقوله تعالى أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ [20/50]، فإنّ هذه الهداية تكوينيّة، و قوله مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا [11/56]فإنّ هذا الأخذ تكوينيّ، و هو وقوع كل تحت تربية اسم من أسماء اللّه و انجرارها إليه على ما يعلمه علماء علم الأسماء -إلى غير ذلك.
(ألا ترى تقلّب الأطوار في عنصرنا) كما قال تعالى خَلَقَكُمْ أَطْوٰاراً [71/14] (حتّى بعقل) كلّي (اصطفي) ، فإنّ النفس الناطقة القدسيّة بعد ما استكملت و صارت بالفعل و استغنت عن البدن و قواه و طبائعه بذاتها و باطن ذاتها صارت عقلا، و صار النور المدبّر نورا قاهرا، و العقل الكلّي من صقع الربوبيّة حيّ بحياة اللّه، باق ببقاء اللّه، مريد بإرادة اللّه.