433العزيز كلها،أو أن الظاهر هو لفظه،و الباطن معناه،فيكون المعنى أنه لا يستطيع أحد أن يدَّعي أن عنده علماً بألفاظ القرآن و معانيه كاملة إلا الأوصياء عليهم السلام.
و لو كان المراد بجمع القرآن جمع ألفاظه كلها في مصحف لما صحَّ لنا أن نقول:(إن غير علي عليه السلام من أئمة أهل البيت عليهم السلام قد جَمَعه)،لأنه إذا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد جمعه قبلهم،فكيف يتأتى لهم أن يجمعوا ما كان مجموعاً؟!
هذا مضافاً إلى أن الظاهر من أحاديث الباب أنها جاءت تؤكِّد أن أئمة أهل البيت عليهم السلام علموا تفسير القرآن،و فهموا معانيه كلها،و عرفوا أحكامه كما أرادها الله سبحانه،و أن أحداً غيرهم من هذه الأمة لا يستطيع أن يدَّعي علم ذلك كله.
المعنى الثاني:أن المراد بجمع القرآن كما أُنزل هو جمعه في مصحف رُتّب فيه المنسوخ قبل الناسخ،و المكّي قبل المدني،و السابق نزولاً قبل اللاحق،و هكذا،و جمع القرآن بهذا النحو لم يتأتَّ لأحد من هذه الأمّة إلا لعليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فقد أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى،و ابن أبي داود في كتاب المصاحف،و ابن عبد البر في الاستيعاب و التمهيد،و غيرهم عن محمد بن سيرين،قال:لمَّا توفي النبي صلى الله عليه و سلم أبطأ عليٌّ عن بيعة أبي بكر،فلقيه أبو بكر فقال:أكرهتَ إمارتي؟فقال:لا،و لكن آليت أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن.فزعموا أنه كتبه على تنزيله،فقال محمد:لو أصيب ذلك الكتاب كان فيه العلم 1.
و قال السيوطي:و أخرجه ابن أشتة في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين،و فيه أنه-يعني عليّا عليه السلام-كتَب في مصحفه الناسخ و المنسوخ،و أن ابن سيرين قال:تطلَّبتُ ذلك الكتاب،و كتبتُ فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه 2.