21
الفصل الأول :نشأة المذاهب الإسلامية ظروفها وتداعياتها
لمّا كانت السُنّة مختلفة الطرق في الثبوت، وتتعارض الأدلة الحاكية عنها في بعض أحكامها، فتحتاج إلى الترجيح، فكم من فرق بين وضع الحياة البشرية في صدر الإسلام وحاضرنا اليوم، لذا أصبحت الاستفادة من التشريعات وتطبيقها على الحوادث النازلة والوقائع المستجدّة، واستنباط الأحكام منها أمراً يحتاج إلى مهارة علميّة، ومقدرة فنيّة، وسعة اطلاع، وذلك لتعذّر معرفة الأصوب من الآراء بسبب انقطاع الوحي الالهي بختم النبوة، وما يشوب رجحان الرأي لمعرفة الدليل الأرجح.
فالحديث عن معرفة المذاهب الفقهية المختلفة، وظروف نشأتها وتداعياتها، والالتزام بها دون غيرها، امور يلزم معرفتها ، حتى أصبح الوقوف عند قول إمام معيّن لازماً، ولا يمكن لأيّ أحدٍ من دون اولئك القوم الّذين وقفت قافلة التشريع الإسلامي عندهم في استنباط حكم شرعي، حتى أصبحوا مصدراً للتشريع، ومرجعاً للدين الحنيف ، بل ادّعي استحالة الاجتهاد لمن جاء من بعدهم، فاغلقوا بابه في وجوههم، علماّ أنّ غلق باب الاجتهاد يعني جموداً للتشريع، ووقوفاً أمام تطور حياة الاُمة.
تلك الاُمور يلزمنا النظر فيها، ولا نستطيع فهمها إلّا بعد أن ندرس الظروف التي تكونت فيها فكرة التمذهب بمذهب إمام معيّن، ونبحث عن أسباب نشأة المذاهب، وعوامل انتشارها.
فهل كانت دواعي الانتشار بسبب القيم الروحية؟ أو أنّها استندت إلى السلطة التنفيذية؟.
وهل كانت مستقلة عن تأثير السلطة؟ أو أنّها عرضة لذلك؟.