19
مقدّمة الطبعة الاُولى
لا شكّ أنّ الذين كتبوا عن تاريخ هذه المدينة المقدّسة، وما جرى عليها من الحوادث الدامية في مختلف العصور، أسدوا خدمةٌ كبيرةً للعالم، بتقديم ذلك التراث القيّم الذي يخدم الإنسانيّة جمعاء؛ فلذا حاز تقدير أرباب العلم، وأساطين الفكر، ورجال المبدأ والعقيدة وسواهم. ومع كلّ ذلك رأيت لزاماً عليّ أن أقوم بجمع ما يمكن جمع كلّ ما يخص تاريخ كربلاء الثقافيّ والسياسيّ والاجتماعيّ، تخليداً لذكرى المفكّرين الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيّبة من علماء وشعراء وفلاسفة، ورجال جهادٍ وسياسةٍ وغيرهم، ممّن أقاموا للفكر وزناًً، وقدّموا تراثاً فيه عناصر إنسانيّةٌ علينا أن نجدّده ونعيد درسه، وقد بقي تاريخ قسمٍ من هؤلاء المفكّرين مجهولاً لَم يعرف عنه الملأُ إلاّ النزَر اليسير؛ فآثرت وضعَ هذه البحوث المنشورةَ في الصحف والمجلّات العربية في كتابٍ جامع باسم (تراث كربلاء).
وغير خافٍ على القارئ اللبيب أنّ مدينة كربلاء لها تاريخٌ مجيدٌ حافلٌ بجلائل الأعمال، ويضمّ أنصع الصفحات التي خطّ أسطرَها أميرُ البلاغة والبيان، ورجلُ البطولة والفداء، الإمامُ الحسين بن علي(ع) بكلّ ما حوت فيه من بطولةٍ نادرةٍ وجهادٍ لا يشقّ إليه غبار.
وكربلاء في ماضيها العلميّ والأدبيّ زاخرةٌ بالمواهب الخلّاقة، وقد مرّت في القرون الغابرة بمراحل وأدوارٍ مختلفة، ممّا عظم شأنها، وسمتْ منزلتُها في ميدان العلم والمعرفة، حيث بلغت أوج عظمتها، وكان سببه ظهور علماء ومفكّرين رفعوا رأسها عالياً، ولا تزال