48
الشرط الأوّل: إقامة الحجّة على المنكر
إنّه سبحانه عادل لا يحتجّ على الإنسان إلاّ بعد بيان تكليفه، يقول سبحانه: وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً 1 فإنّ بعث الرسول كناية عن قيام الحجّة على الإنسان سواء أكان ببعث الرسول أم بالنقل عنه، ولذلك اتّفق العلماء على أنّه
«ليس لأحد أن يكفّر أحداً من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجّة وتتبيّن له المحجّة، ومَن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشكّ، بل لا يزول إلاّ بعد إقامة الحجّة وإزالة الشبهة». 2ولذلك قلنا: إنّ منكر الضروري إذا كان جديد الإسلام أو من أهل البادية البعيدة لا يحكم عليه بالكفر; لأنّ المفروض أنّه لم تتمّ عليه الحجّة، لحداثة دخوله في الإسلام أو بُعد محلّه عن العلم والعلماء. روى النسائي أنّ رجلاً قال للنبي(ص): ما شاء الله وشئت. قال النبي(ص):
«أجعلتني نداً لله، فقل: ما شاء الله ثم شئت». 3
الشرط الثاني: كونه قاصداً للمعنى المخرج
إذا كان تعبير الرجل ذا احتمالات ووجوه، فهي بين صحيح وباطل فلا يحكم عليه بالكفر بعبارة ذات وجوه. وسيوافيك أنّ القول بوحدة الوجود، ذو وجوه واحتمالات فلا يحكم على القائل الناطق به بالكفر إلاّ إذا أراد منه عينية الوجود الإمكاني مع وجود الواجب.
وبذلك يعلم أنّ كثيراً من العبارات المنقولة عن الصوفية التي لا تنسجم مع أُصول الإسلام المذكورة سابقاً، هي من شطحاتهم التي ينطقون بها في الأحوال غير العادية في مجالس الذكر التي يعقدونها في محافلهم; وأمّا إذا تجرّدوا عن هذه الحالة ورجعوا إلى حالتهم العادية فلا ينطقون بشيء من هذه العبارات.