29شأنه لا تدركه الابصار بالمعنى الذي نجده من أنفسنا البتة، ولا تنطبق عليه صورة ذهنية لا في الدنيا ولا في الآخرة ضرورةً، ولاأنّ موسى عليه السلام ذاك النبي العظيم أحد الخمسة أولي العزم، وأحد سادة الأنبياء عليهم السلام ممن يليق بمقامه الرفيع وموقفه الخطير أن يجهل ذلك، ولا أن يُمنّي نفسه بأن يقوّى بصره الله سبحانه على أن يراه ويشاهده، سبحانه منزهاً عن وصمة الحركة والزمان والجهة والمكان وألواث المادة الجسمية وأعراضها؛ فإنّه قول أشبه بغير الجد منه بالجد، فنتيجة القول: من الجائز في قدرة الله أن يقوي سبباً مادياً لكي يعلق عمله الطبيعي المادي - مع حفظ حقيقة السبب وهوية أثره - بأمر هو خارج عن المادة وآثارها متعال عن القدر والنهاية.
فهذا الابصار الذي عندنا هو خصوصية مادية من المستحيل أن يتعلق بما لا أثر عنده من المادة الجسمية وخواصها؛ فإنْ كان موسى سأل الرؤية فإنّما سأل غير هذه الرؤية البصرية.
وبالملازمة ما ينفيه الله سبحانه في جوابه فإنّما ينفي غير هذه الرؤية البصرية، فأمّا هي فبديهية الانتفاء لم يتعلق بها سؤال ولاجواب. فقوله تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) 1سؤال منه عليه السلام للرؤية بمعنى العلم الضروري على ما تقدم من معناه؛ فإنّ الله سبحانه لما خصه بما