28العهد الحضوري (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) أي لن تطيق رؤيتي، فانظر إلى الجبل فإنّي أظهر له، فإن استقر مكانه وأطاق رؤيتي فاعلم أنّك تطيق النظر إلي وتتمكّن من رؤيتي، (فَلَمَّا تَجَلَّى) وظهر (رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ) بتجليه (دَكًّا) مدكوكاً متلاشياً في الجو أو سائحاً، (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) مغشياً عليه من هول ما رأى، (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) رجعت إليك مما اقترحته عليك، (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنّك لا ترى. هذا ظاهر ألفاظ الآية الكريمة.
لكن الذي نستنتجه بعد التدبر فيها أنّ حديث الرؤية والنظر الذي وقع في الآية إذا عرضناه على الفهم العامي المتعارف، فيجب حمله على رؤية العين ونظر الابصار، ولا نشك ولن نشك أنّ الرؤية والابصار بحاجةٍ إلى عمل طبيعي في جهاز الابصار يهيئ للباصر صورة مماثلة لصورة الجسم المبصر في شكله ولونه.
وبشكلٍ عامٍّ هذا الذي نسميه الابصار الطبيعي يحتاج إلى مادة جسمية في المبصر والباصر على السواء، وهذا لا شك فيه.
والتعليم القرآني يثبت إثباتاً قطعياً أنّ الله تعالى لا يماثله شيء بوجه من الوجوه، فهو ليس بجسم ولا مادّة له، ولا يحيط به مكان ولا زمان، ولا تحويه جهة ولا توجد صورة مماثلة أو مشابهه له بوجه من الوجوه في خارج ولا ذهن مطلقاً، وما هذا