20بعض المتأخّرين من المالكية وغيرهم يشنِّع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة، ويزعم أنه قد تفرَّد بذلك، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض عنهم، وقد تعسَّف هذا القائل في ردّه على الشافعي، وتكلَّف في دعواه الإجماع في ذلك، وقال ما لم يحط به علماً، فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية، ومفسَّر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم: ابن مسعود، وأبو مسعود البدري، وجابر بن عبد الله، ومن التابعين: الشعبي، وأبو جعفر الباقر، ومقاتل بن حيان. وإليه ذهب الشافعي، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضاً، وإليه ذهب الإمام أحمد أخيراً فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي به، وبه قال إسحاق بن راهويه، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي رحمهم الله تعالى، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علَّمهم أن يقولوا لما سألوه، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله، وممن حكاه البندنيجي، وسليم الرازي، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولاً عن الشافعي، والصحيح أنه وجه، على أن الجمهور على خلافه، وحكوا الإجماع على خلافه، والقول بوجوبه ظاهر الحديث، والله أعلم. والغرض أن الشافعي رحمه الله لقوله بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة سلف وخلف كما تقدّم، ولله الحمد والمنّة، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديماً ولا حديثاً، والله أعلم 1.
وقد اختلف في المراد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله على أقوال متعدّدة، من أهمها:
القول الأول: أن المراد بصلاة الله تعالى هو كل ما فعله الله تعالى من كرامة وتفضيل ورفع منزلة وثناء عليه وغير ذلك، وصلاة الملائكة الدعاء بذلك، وصلاة المؤمنين أن يقولوا: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد.