39أمام السيل المتدافع من مشركي قريش، الذي يستهدف قتل رسولالله(ص) بعد أن حلّت بنا هزيمة بعد نصر، كان سببها مخالفة الرماة أمرَ رسولالله(ص):
«لا تبرحوا مكانكم، وإن رأيتمونا نُقتل فلا تنصرونا» .
وما علمتُ أنّ أحداً من أصحاب رسول الله(ص) يريد الدنيا حتّى نزلت هذه الآية ( مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيٰا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ) 1 في أولئك الرماة الذين تنازعوا أمرهم بينهم، فريقٌ سال لعابه حين رأى الغنائم التي خلّفها المشركون وراءهم، فترك موضعه، وفريق قليل ثبت مكانه امتثالاً لأمر الرسول(ص) فاستشهد عن آخره.
وفي معركة حنين، ركنّا إلى قوتنا وكثرتنا، حتّى قال قائلٌ منّا: لن نُغلب اليوم من قلة، فشدّت كتائب العدو علينا شدّة رجل واحد، وأصبنا بهزيمة مباغته أول القتال، فتفرّقت جموع المسلمين الذين انتابهم الخوف والذعر، فيما راحت جماعة منّا تقدر بثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار، وكنت أحدهم تحيط برسول الله(ص)، الذي علا صهوة بغلته البيضاء وسط المعركة، وهو يصيح بالمنهزمين: إلى أين أيها الناس؟ هلمّوا إليّ - هلمّوا إليّ... أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله.
أنا النبيّ لا كذب
أنا بن عبد المطّلب
أللّهمّ نزّل نصرك، أللّهمّ نزّل نصرك... وإذا بالجموع المنهزمة تعود إلى ساحة المعركة، وقد غطّت تكبيرتهم وتلبيتهم فضاء الوادي، فكان النصر بعد الهزيمة، وكان الظفر بعد المذلة والهوان، وما رجعنا إلاّ وقتلى المشركين قد ملأت ذلك الوادي، وأسراهم في الحبال عند رسولالله(ص).
ثمّ تعال معي - عزيزي - لنقرأ كيف صوّر لنا القرآن الكريم هذهِ الواقعة أفضل تصوير بأعظم بيان.
( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّٰهُ فِي مَوٰاطِنَ كَثِيرَةٍ وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ