29حفظ قبورهم وأضرحتهم وآثارهم عن الاندراس والاندثار خير تكريم وتعظيم لهم.
وإنْ شئت قلت: إنَّ تعظيم كل شيء بحسبه، فتعظيم الكعبة يكون بسترها بالأستار، وتعظيم البدن الذي هو من شعائر الله بالمواظبة على إبلاغها إلى محلّها وترك الركوب عليها وتعليفها، وتعظيم الأنبياء والأولياء في حياتهم بنحوٍ وبعد وفاتهم بنحوٍ آخر. فكلّ ما يعدّ تعظيماً وتكريماً يجوز بنص هذه الآية من غير شكٍ ولا شُبهة.
و ورود الآية في مشاعر الحج وشعائره لا يكون دليلاً على اختصاصها بها؛ فإنَّ قوله تعالى وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ ضابطة كلّية ومبدأ هام، ينطبق على مصاديقه وأفراده وجزئياته الكثيرة.
ومن هنا يتَّضح أنَّ الشعائر الحسينية من الشعائر الدينية، وأنَّ تعظيمها من تعظيم الشعائر الإلهية، فكما أنَّ مثل الكعبة والصفا والمروة ومنى وعرفات جديرة بالتقديس والاحترام؛ لارتباطها بمفهوم شعائر الله، لمجرَّد انتسابها إليه وتعلّقها به، فمن باب أولى تعظيم أولياء الله تعالى؛ فتعظيم الإمام الحسين(ع)، من خلال إقامة العزاء عليه، من مصاديق تلك الشعائر الإلهية، ولا يكون ذلك إدخال ما ليس من الدين في الدين، ليُقال أنَّه بِدعة كما يُدَّعى.
يضاف إلى ذلك، أنَّ وصية الرسول(ص) بالإحسان لذويه تُمثِّل دليلاً آخر على صدقه في مراسم العزاء، فقد جاء في القرآن الكريم على لسان النبي(ص)، وخطاباً للمؤمنين: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبىٰ (الشوري: 22)
إذاً، فقد اقترن أجر الرسالة بمودَّة ذوي قربى الرسول، والمودَّة متجلّية في البكاء على مصائبهم وإقامة العزاء عليهم.