12على أنَّ نفس الدعوى غير مسلّمة عند الجمهور - أعني غير الامامية - فالحديث الصحيح باقٍ على ظنيّته لا يوجب علماً - أي قطعاً بالصدور - عند المشهور من علمائهم. قال ابن حزم:
... وقال الحنفيّون والشافعيون، وجمهور المالكيين، وجميع المعتزلة والخوارج: إنَّ خبر الواحد لا يوجب العلم. ومعنى هذا عند جميعهم أنَّه قد يمكن أن يكون كذباً أو موهوماً فيه، واتَّفقوا كلّهم في هذا. 1
ومعنى هذا أنَّ مشهور الجمهور قائل ببقاء الحديث الصحيح - مهما بلغ من الصحة- على الظنية، ولا ينقلب إلى قطعي الصدور كي يوجب علماً كما في المتواتر.
فثبت إلى هنا أن لا غنى للمجتهد عن علم الرجال؛ لأهمِّيته التي لا تُنكَر في إثبات السنّة الشريفة، التي هي ثاني مصدر من المصادر التي تعيّن الاحكام الشرعية بعد القرآن الكريم.
المبحث الثانى: إشارة إجمالية إلي ضوابط وشروط الراوى عند الجمهور
لقد اتَّفقت كلمة الجمهور على شروط اعتبروها في الراوي كي يؤخَذ بروايته، فادَّعى كثير منهم الإجماع، بل الاتفاق عليها كما سنرى.
وهذه الشروط هي: الإسلام، البلوغ، العدالة، والضبط.
واتفقت في ذلك كلمة أهل الحديث، محدِّثين ورجاليين، وأهل الأصول - اعتبار علم الأصول عندهم شامل لجميع ما يتعلَّق بالمُخبِر (بكسر الباء)، وهو الراوي، والمُخبَر عنه وهو مدلول الخبر، والخبر نفسه وهو اللفظ؛ - فإنَّ الجميع أصولييهم تعرَّضوا لشرائط الراوي.
ولا بأس هنا أن نتعرَّض - على نحو الإيجاز - إلى طائفةٍ من أقوال أهل الحديث، ثُمَّ الأصوليين في تلك الشرائط.