32 بالاستغفار تشمل مَن لم يعاند ولم يصرّ على عناده تجاه الله والحقيقة، ويرضخ للحقّ عندما يتبيَّن له الرشد من الغيِّ. ويشير القرآن الكريم لهذا المعنى حيث يقول: (مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحٰابُ الْجَحِيمِ ) 1.
ويقيم العلّامة الطباطبائي الدليل العقلي على ذلك، ويقول في تفسيره: «وتارة يفرض العبد عدوّاً لله محارباً له، مستكبراً مستعلياً، كأرباب الجحود والعناد من المشركين، والعقل الصريح حاكم بأنَّه لا ينفعه حينئذٍ شفاعة بمسألة أواستغفار، إلّا أن يتوب ويرجع إلى الله، وينسلخ عن الاستكبار والعناد، ويتلبَّس بلباس الذلَّة والمسكنة؛ فلا معنى لسؤال الرحمة والمغفرة لمَن يأبى القبول، ولا للاستعطاء لمَن لا يخضع للأخذ والتناول، إلّا الهزء بمقام الربوبية، واللعب بمقام العبودية، وهوغير جائز بضرورةٍ من حكم الفطرة» 2.
ونرى إبراهيم الخليل(ع) لم يستغفر، بل يتبرَّأ من آزر، عند ما تبيَّن له أنَّه عدولله، 3 وكان حنوإبراهيم له نابعاً من قلقه إزاء ضلالته وقومه؛ فمقام (الخلّة) مع الله لم يترك مجالاً لإبراهيم ليحبّ أعداء الله، ولكن مقتضي رسالته تحمّل الأذى والمشقَّة في سبيل هداية الناس. فمن هنا ذهب البعض على أنَّه يمثّل قهر الله ورحمته في آنٍ واحد، وهي صفة يتَّصف بها عباده المخلصون 4 ؛ لأنَّه كما بالغ في حنوِّه وشفقته في سبيل الهداية، بالغ في عدائه وبراءته