19ونفس الحكمة أتت في آيات النهي عن تولّي اليهود والنصارى - التي نتطرّق لها في الفصل التالي - ذلك أنَّ العلاقة مع هؤلاء توجب الوِدّ والمحبَّة؛ ممَّا يستلزم شيئاً من الشعور بالاستصغار والذلَّة لدى المسلمين وتؤكّد المُعطيات التاريخية المرافقة لشأن نزول الآيات، بأنَّ السعي وراء العلاقة مع اليهود والنصارى كانت طمعاً في كسب استعانتهم، وهذا من شأنه تصوُّر القوّة والعزّة لديهم. إنَّما يفنّد القرآن هذه المزاعم، ويقول: (أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّٰهِ جَمِيعاً) 1. واللازم الآخر لهذه العلاقة، هوحمل المسلمين على التساهل والكسل، ومماطلة أفعال الكفّار واليهود والنصارى المعادية، عند ما يُؤمَرون بقتالهم والجهاد في سبيل الله. وهنا يتدخَّل القرآن ليحذِّر الجميع بأنَّ مَن يتولَّى هؤلاء، فإنَّه منهم: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصٰارىٰ أَوْلِيٰاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ ) 2. وفي آية أُخرى: (وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتٰابِ أَنْ إِذٰا سَمِعْتُمْ آيٰاتِ اللّٰهِ يُكْفَرُ بِهٰا وَ يُسْتَهْزَأُ بِهٰا فَلاٰ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّٰى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللّٰهَ جٰامِعُ الْمُنٰافِقِينَ وَ الْكٰافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) 3.