29وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب؛ خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله(ص)، ولم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه، لميزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنّب عنه، وعرف الخاصّ والعامّ، والمحكم والمتشابه، فوضع كلّ شيء موضعه.
وقد كان يكون من رسول الله(ص) الكلام له وجهان: فكلام خاصّ، وكلام عامّ، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله(ص)، فيحمله السامع ويوجّهه على غير معرفة بمعناه، وما قصد به، وما خرج من أجله، وليس كلّ أصحاب رسول الله(ص) من كان يسأله ويستفهمه، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطارئ، فيسأله(ع) حتّى يسمعوا، وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلاّ سألته عنه وحفظته. فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم» 1.
ولذا طالما كان أمير المؤمنين(ع) يخاطب شيعته قائلاً: «إذا حدّثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدّثكم، فإن كان حقّاً فلكم، وإن كان كذباً فعليه» 2.
والشيعة تتبع هذا المنهج الذي رسمه إمام الموحّدين، فهم الأكثر تشدّداً في هذا المجال، وتكفيك نظرة في (معجم رجال الحديث) للسيّد الخوئي(رحمة الله)، فقد دقّق ومحّص هذا العالم وأبلى البلاء الحسن في الأخذ والردّ في هذا الفن.
نعم، قد ورد في بعض الأسانيد من هو ليس من مذهبهم، فطبّقوا على تلك الأحاديث بعض القواعد، منها: الوثوق أو الوثاقة في حجّية الخبر، فالخبر إذا كان صحيحاً لا يضرّ فساد ناقله، وكتب الحديث السنّيّة المشهورة مشحونة بهذه