17علّتين: إحداهما العلّة الفاعلة والأخري العلّة القابلة، فالعلّة القابلة للإسلام هي الإنسان نفسه، والإنسان إنسان لا يتغيّر ولا يتبدّل بما جبل عليه من الفطرة الخاصّة والطينة المخصوصة فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِي فَطَرَ النّٰاسَ عَلَيْهٰا لاٰ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ 1. وأمّا العلّة الفاعلة له فهي الله الذي لا تناله يد التغييرات ولا تحظي بكرامته شباك التحوّلات، فإنّ ذاته منبع الحياة والنور والعلم والقدرة، ولا سبيل فيها أبداً للموت والظلمة والجهل والاعتلال، فهي الذات العليمة - إذن - بمصالح الإنسان ومفاسده، والأقدر علي تعليمه وهدايته إلي المدارج الرفيعة وتحذيره من السقوط في المهاوي السحيقة، وتبيين درجاتها والإعلام بدركاتها.
علي هذا الأساس، فإنّ سرّ عالميّة الإسلام يكمن في:
أوّلا: إنّ نزوله كان لتفتيح براعم الفطرة الإنسانيّة، تلك الفطرة التي لا ترتهن لأرض خاصّة ولا لتاريخ معيّن، كما لا مسير زمنيّ لها، بل لا تنالها التأثيرات العرقيّة والقوميّة ولا الظواهر الجغرافيّة، ومن هنا تمثل البنية التحتيّة الراسخة للتربية، والأساس المحكم للإرشاد والتعليم.
ثانيا: إنّ معلّم الإنسان ومربّي البشريّة هو الإله الذي لا رخصة للجهل في الولوج إلي حريم علمه المطلق اللامتناهي، ولا فسحة للسهو والنسيان إلي حرم أمن حضوره وشهوده الدائم. من هنا كان الدين المرضيّ عنده هو الأساس الثابت والبناء الدائم الذي لا يعرف الزوال في هداية المجتمعات الإنسانيّة جمعاء.
والنتيجة المستخلصة أنّه لا مجال لتوهّم التغيير في الإسلام، لا من ناحية الفاعل ولا من ناحية القابل، وهو ما تشهد له الآية الكريمة: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مٰا وَصّٰى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ وَ مٰا وَصَّيْنٰا بِهِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسىٰ وَ عِيسىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لاٰ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ 2.