3قال الخطيب البغدادي في حقّه: أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله، ويرجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدٌ من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفاً بأقوال الصحابة والتابعين. . . عارفاً بأيام الناس وأخبارهم.
وقال الذهبي: كان من أفراد الدهر علماً، وذكاء، وكثرة تصانيف. قلّ أن ترى العيون مثله. ثم قال: جمع طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك. وأضاف: وكانت الحنابلة حزبَ أبي بكر بن أبي داود، فكثروا وشغَّبوا على ابن جرير، وناله أذى، ولزم بيته، نعوذ بالله من الهوى.
وكان ابن جرير قد دفن ليلاً بداره لأنّ العامّة - كما ذكر ابن مِسكويه - اجتمعت ومنعت من دفنه نهاراً، واتهموه بأمرين:
أ. ادّعوا عليه الرفض.
ب. ادّعوا عليه الإلحاد.
وكان علي بن عيسى، يقول: والله لو سُئل هؤلاء عن معنى الرفض والإلحاد ما عرفوه ولا فهموه.
أمّا ابن الأثير فعلّل دفنه ليلاً بداره، بالقول: إنّ بعض الحنابلة تعصّبوا عليه، ووقعوا فيه فتبعهم غيرهم، ولذلك سبب، وهو أنّ الطبري جمع كتاباً ذكر فيه اختلاف الفقهاء، لم يصنّف مثله ولم يذكر فيه أحمد بن حنبل، فقيل له في ذلك، فقال: لم يكن فقيهاً، وإنّما كان محدّثاً، فاشتدّ ذلك على الحنابلة، وكانوا لا يُحصون كثرة ببغداد، فشغبوا عليه وقالوا ما قالوا.