240تعود عبرة و فكرة، تذهل عندها الألباب و تطيش في سبحات جلالها العقول.
أما الذي فيه من الفوائد المادية، و الاجتماعية، و الأخلاقية، فلعل سطحه الأول ظاهر مكشوف، و التوسع فيه يحتاج إلى مجال أوسع، و نظر أعلى و أرفع، و هي التي أشير إليها بقوله عز شأنه: لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ لَهُمْ ، و لكن إذا لم يتسع لنا المجال للإشارة إلى تشريح هذه المنافع أفلا يمكن التلويح إلى بعض تلك النفحات التي تهب نسائمها من الكنوز و الرموز الروحية التي تتضمنها أعمال الحج؟
أولها الإحرام، أرأيت المحرم حين يتجرد من ثيابه التي يتجمل بها بين الناس فيستبدل بها قطعتين من القطن الأبيض، إشارة إلى قطعه جميع علائق هذه الحياة، و زخارفها، و اكتفائه بثوبين، كمن ينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، لابسا أكفانه، منصرف النفس عن كل شهواتها، و عازفا عن كل لذاتها؟
أتراه حين يرفع صوته كلما علا جبلا أو هبط واديا أو نام أو استيقظ:
«لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك» كأنه يجيب داعيا، و يخاطب مناديا؟
نعم، يجيب داعي الضمير، و خطاب الوجدان خطابا يجيب به نداء ربه، و أذان أبيه إبراهيم، و دعوة نبيه محمد صلّى اللّه عليه و آله.
أتراه كيف يتجرد عن الدنيا و يتحلى عن الروح الحيوانية فيصير روحا مجردا، و ملائكا بشرا، فيحرّم على نفسه التمتع حتى من النساء و الطيب و الطيبات، بل حتى العقد على النساء، و يحرم عليه أن يؤذي حيوانا، و لو من الهوام، و أن يصيد صيدا و لو من الأنعام، و أن يقطع شجرا، أو يقطع نباتا، و إذا عقد على امرأة في إحرامه حرمت عليه أبدا؟
أرأيته حين يطوف حول الكعبةرمز الخلود، و مركز الأبدية، و تمثال