304و قال مالك: إن الراحلة لا يعتبر بها 1وجوب الحج، و من أطاق الحج ألزمه الحج ماشيا. فأما الزاد فلا يعتبر القدرة عليه و حصوله، بل إن كان ذا صنعة يمكنه الاكتساب بها في طريقه لزمه الحج، و إن لم يكن ذا صنعة و كان يحسن السؤال و جرت عادته به لزمه أيضا الحج، فإن لم تجر عادته به لم يلزمه 2.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الإجماع المتكرر ذكره: أنه لا خلاف في أن ما حاله من ذكرناه أن الحج يلزمه، فمن ادعى أن الصحيح الجسم إذا خلا من سائر 3الشرائط التي ذكرناها يلزمه الحج فقد ادعى وجوب حكم شرعي في الذمة و عليه الدليل، لأن الأصل براءة الذمة.
و أيضا قوله تعالى وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 4.
و الاستطاعة في عرف الشرع و عهد اللغة أيضا عبارة عن تسهيل الأمر و ارتفاع المشقة فيه، و ليست بعبارة عن مجرد القدرة.
ألا ترى أنهم يقولون: ما أستطيع النظر إلى فلان، إذا كان يبغضه و يمقته و يثقل عليه النظر إليه، و إن كانت معه قدرة على ذلك.
و كذلك يقولون: لا أستطيع شرب هذا الدواء، يريدون إنني أنفر منه و يثقل علي.
و قال الله تعالى إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً 5و إنما أراد هذا المعنى لا محالة.