16ولكن ممّا يثير الدهشة والعجب أنّه على الرغم من عدم وجود أي خلاف بشأن الأمور الفطرية من أول العالم إلى آخره، وكأنّ الناس غافلون عن أنّهم متفقون ويظنون أنّهم مختلفون ما لم ينبههم أحد على ذلك، وعند ذلك يدركون أنّهم كانوا متفقين رغم اختلافهم في الظاهر. وهذا ما تشير إليه الجملة الأخيرة من الآية الشريفة: (وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَشْكُرُونَ ) . 1
فيتضح ممّا سبق أنّ أحكام الفطرة أكثر بداهة من كلّ أمر بديهي؛ إذ لا يوجد في جميع الأحكام العقلية حكم مثلها في البداهة والوضوح، حيث لم يختلف فيه النّاس ولن يختلفوا، وعلى هذا الأساس تكون الفطرة من أوضح الضروريات وأبده البديهيات 2، كما أنّ لوازمها أيضاً يجب أن تكون من أوضح الضروريات، فإذا كان التوحيد أو سائر المعارف من أحكام الفطرة أو من لوازمها، وجب أن يكون من أوضح الضروريات وأجلى البديهيات (وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَشْكُرُونَ ) 3. وقد أخذ المولى تبارك وتعالى العهد والميثاق على الإيمان به دون سواه في عالم الذر والميثاق، حيث قال تعالى:
(وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ شَهِدْنٰا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيٰامَةِ إِنّٰا كُنّٰا عَنْ هٰذٰا غٰافِلِينَ* أَوْ تَقُولُوا إِنَّمٰا أَشْرَكَ آبٰاؤُنٰا مِنْ قَبْلُ وَ كُنّٰا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَ فَتُهْلِكُنٰا بِمٰا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ* وَ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيٰاتِ وَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)). 4