15 أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شيء ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدّة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أنّ الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أنّ في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقرّ لله عزّوجلّ بأنّ له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقرّ بالبداء، وما عظّم الله عزّوجلّ بشئ أفضل من الاقرار بأنّ له الخلق والأمر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان.
والبداء هو ردٌّ على اليهود لأنّهم قالوا: (إن الله قد فرغ من الأمر) فقلنا: إنّ الله كل يوم في شأن، يحيى ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء، والبداء ليس من ندامة، وهو ظهور أمر؛ يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي أي ظهر، قال الله عزّ وجلّ: وَ بَدٰا لَهُمْ مِنَ اللّٰهِ مٰا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر/ 47] أي ظهر لهم، ومتى ظهر لله تعالى ذكره من عبد صلة لرحمه زاد في عمره، ومتى ظهر له منه قطيعة لرحمه نقص من عمره، ومتى ظهر له من عبد إتيان الزنا نقص من رزقه وعمره، ومتى ظهر له منه التعفّف عن الزنا زاد في رزقه وعمره. 1