14وأمّا التصوّر الشرعي أو الثانوي للدعاء، فهو بضميمة ما تقدّم من المعنى الأوّلي يُضاف له قيدٌ أساسي، وهو كون المطلوب منه - أعني: المدعوّ- هو الواجد لكلّ موجود والفاقد لكلّ مفقود، وهذا الإطلاق في الواجدية الإيجابية والفاقدية السلبية لا ينطبق إلّا على الله سبحانه وتعالى، الذي لا يعزبُ عنه شيء ولا يُعجزُه شيء البتّة، ومن هنا سوف ننفتح على حقيقة الدعاء.
صفات الداعي
للداعي صفات كثيرة ينبغي أن يكون مُتّصفاً بها حقيقةً لا ادّعاءً، منها:
الصفة الأُولى: خلوّ ساحة الداعي عند دعائه من مظالم الناس أجمعين، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنَّ الله تعالى أوحى إلى عيسى بن مريم (عليهما السلام):
«
قل للملأ من بني إسرائيل: لا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلّا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكفٍّ نقية، وقل لهم: اعلموا أنّي غير مستجيب لِأَحدٍ منكم دعوةً ولِأَحدٍ من خلقي قِبَلَهُ مظلمة » 1.
إنَّ هذه الصفة تحمل في طيّاتها مضامين عظيمة، منها ضرورة إيفاء الداعي حقوقَ الآخرين وإنصافهم من نفسه، وضرورة التواضع لمَن أساء بحقِّهم ونيل رضاهم، فلا تحجبه عن ذلك السمعة الزائفة والمكانة الزائلة، فإذا ما أنجز ذلك وأخذ بتلابيب نفسه يكون قد وفّر أرضية خصبة لاستجابة الدعاء له.