17الأكرم لاحتاج في تأليفه إلى عشرات المجلّدات. فإنّ مدح النبيّ كان الشغلَ الشاغل للمخلصين والمؤمنين منذ أن لبّىٰ الرسول دعوة ربّه، ولا أظنّ أنّ أحداً عاش في هذه البسيطة، ونال من المدح بمقدار ما ناله الرسول صلى الله عليه و آله من المدح بمختلف الأساليب والنظم.
وهناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائلَ النبيّ ومناقبه في قصائد رائعة وخالدة، مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم والسنّة المطهّرة في هذا المجال، فشكر اللّٰه مساعيهم الحميدة وجهودهم المخلصة.
3 - تقبيل كلّ ما يمتّ إلى النبيّ بصلة؛ كباب داره، وضريحه وأستار قبره، انطلاقاً من مبدأ الحبّ الذي عرفت أدلّته. وهذا أمر طبيعي وفطري، فبما أنّ الإنسان المؤمن لا يتمكّن بعد رحلة النبي صلى الله عليه و آله من تقبيل الرسول صلى الله عليه و آله 1فيقبّل ما يتّصل به بنوع من الاتصال، وهو كما أسلفنا أمر طبيعي في حياة البشر حيث يلثمون ما يرتبط بحبيبهم ويقصدون بذلك نفسه. فهذا هو المجنون العامري كان يقبّل جدار بيت ليلىٰ ويصرّح بأنّه لا يقبّل الجدار، بل يقصد تقبيل صاحب الجدار، يقول: أمرّ على الديار ديار ليلىٰ
4 - إقامة الاحتفالات في مواليدهم؛ وإلقاء الخطب والقصائد في مدحهم، وذكر جهودهم ودرجاتهم في الكتاب والسنّة، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالمنهيّات والمحرّمات.
ومن دعا إلى الاحتفال بمولد النبيّ في أيّ قرن من القرون، فقد انطلق من هذا المبدأ، أي حبّ النبي الذي أمر به القرآن والسنّة بهذا العمل.
هذا هو مؤلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد: «لا يزال أهل الإسلام يحتفلون بشهر مولده، ويعملون الولائم، ويتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويزيدون في المبرّات، ويعتنون بقراءة مولده الشريف، ويظهر عليهم من كراماته كلّ فضل عظيم» 1.
وقال أبو شامة المقدسي في كتابه: «ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده صلى الله عليه و آله من الصدقات والمعروف بإظهار الزينة والسرور، فانّ في ذلك مع ما فيه من الإحسان للفقراء شعاراً لمحبّته» 2.
أنا لا أوافق الشيخ المقدسي في تسميته للاحتفال بالبدعة إلّاأن يريد البدعة بالمعنى اللغوي، كما أنّ الاحتجاج على حسن الاحتفالِ بالأعمال الجانبيّة من صدقات ومعروف وإظهار الزينة ...، فانّ هذه الأُمور الجانبيّة لا تسوغ الاحتفال، ولا تضفي عليه صبغة شرعية ما لم يكن هناك دليل في الكتاب والسنّة، وقد عرفت وجوده.