46أحد علماء الأندلس الأكابر في الفقه و الحديث،يحكي لنا في رحلته عن الأبنية الرفيعة و القباب العالية في المشاهد و المزارات المعروفة يومذاك للأنبياء و الصالحين و النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله و أهل بيته و صحابته و التابعين لهم بإحسان.
فقد قام برحلات ثلاث،أهمّها استغرقت أكثر من ثلاث سنوات، حيث بدأها يوم الاثنين في التاسع عشر من شهر شوال عام 578 ه،و ختمها في يوم الخميس الثاني و العشرين من شهر محرم سنة 581 ه، و قد وصف في هذه الرحلة ما مرّ به من مدن و ما شاهد من عجائب البلدان.
كما و عنى عناية خاصة بوصف النواحي الدينية و المساجد و المشاهد و قبور الأنبياء و الأولياء و أهل البيت و الصحابة و التابعين، وصفاً دقيقاً،يعرب عن أنّ هذه القباب و الأبنية الرفيعة شُيّدت من قبل قرون تتّصل إلى عصر الصحابة و التابعين.
و لم يكن يومذاك أيُّ معترض على بنائها فوق قبور هؤلاء،و لم يدر بِخُلْدِ أحد أنّ هذه القباب و الأبنية ستبعدنا عن التوحيد،بل كانوا يتبرّكون بهذا العمل و يبدون ما في مشاعرهم من ودّ و حبّ لأصحابها.
و كان التبرّك و التقبيل سنّة رائجة بين المسلمين،و هم لم يكونوا يقبّلون باباً و يتبرّكون بالجدار،بل يتبرّكون بمن حوتهم،على حدّ قول مجنون العامري:
أمرُّ على الديار ديار ليلىٰ
و فيما يلي نشير بشكل مقتضب إلى مجمل كلامه:
مشهد رأس الحسين بالقاهرة:
يقول ابن جبير في ذكر مصر و القاهرة و بعض آثارها العجيبة:
فأوّل ما نبدأ بذكره منها الآثار و المشاهد المباركة التي ببركتها يمسكها اللّٰه عزّ و جلّ،فمن ذلك المشهد العظيم الشأن الذي بمدينة القاهرة حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب،رضي اللّٰه عنهما،و هو في تابوت فضّة مدفون تحت الأرض قد بُنيَ عليه بنيان حفيل يقصر الوصف عنه و لا يحيط الإدراك به....
إلى أن يقول:و من أعجب ما شاهدناه في دخولنا إلى هذا المسجد المبارك حجر موضوع في الجدار الذي يستقبله الداخل،شديد السواد و البصيص،يصف الأشخاص كلّها،كأنّه المرآة الهندية الحديثة الصقل.
و شاهدنا من استلام الناس للقبر المبارك،و إحداقهم به، و انكبابهم عليه،و تمسّحهم بالكسوة التي عليه،و طوافهم حوله، مزدحمين داعين باكين متوسّلين إلى اللّٰه سبحانه و تعالى ببركة التربة المقدّسة،و متضرّعين ما يذيب الأكباد و يصدع الجماد،و الأمر فيه أعظم،و مرأى الحال أهول،نفعنا اللّٰه ببركة ذلك المشهد الكريم.
مشاهد الأنبياء و الصالحين في مصر:
يقول ابن جبير عن الجبّانة المعروفة بالقرافة:هي أيضاً إحدىٰ عجائب الدنيا،لِما تحتوي عليه من مشاهد الأنبياء صلوات اللّٰه عليهم،