17
. . . . . . . . . .
نياتهم، و ضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، من قناعة تملأ القلوب و العيون غناؤه، و خصاصة تملأ الأسماع و الأبصار أذاؤه، و لو كانت الأنبياء أهل قوة لا ترام، و عزة لا تضام، و ملك تمد نحوه أعناق الرجال، و يشد إليه عقد الرحال، لكان أهون على الخلق في الاختبار، و أبعد لهم من الاستكبار، و لآمنوا عن رهبة قاهرة لهم، أو رغبة مائلة بهم، فكانت النيات مشتركة، و الحسنات مقتسمة، و لكن اللّه سبحانه أراد أن يكون الاتباع لرسله و التصديق بكتبه و الخشوع لوجهه و الاستكانة لأمره و الاستسلام إليه أمورا له خاصة، لا تشوبها من غيرها شائبة. و كلما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل، ألا ترون أن اللّه جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر و لا تنفع، و لا تبصر و لا تسمع، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياما ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجرا، و أقل نتائق 1الدنيا مدرا، و أضيق بطون الأودية معاشا، و أغلظ محال المسلمين مياها، بين جبال خشنة، و رمال دمثة 2، و عيون و شلة 3، و قرى منقطعة، و أثر من مواضع قطر السماء داثر، ليس يزكو به خف و لا ظلف و لا حافر، ثم أمر آدم و ولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، و غاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز 4قفار متصلة، و جزائر بحار منقطعة، و مهاوي فجاج عميقة، حتى