38بل يظهر من قوله سبحانه: اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ 1 أنّ دائرة الشرك في الربوبية أوسع، بل تشتمل ما إذا دفع الإنسان زمام التشريع والتقنين إلى يد الأحبار والرهبان، فهذا أيضاً شرك في الربوبية فالله سبحانه له الحقّ في التشريع وحده دون غيره.
روى الثعلبي بإسناده عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله(ص) وفي عنقي صليب من ذهب، فقال لي: يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك، قال: فطرحته ثم انتهيت إليه وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية: اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً 2 حتى فرغ منها، فقلت له: إنّا لسنا نعبدهم، فقال: أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه، ويحلّون ما أحلّ الله فتستحلّونه؟ قال: فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم. 3
إنّ القرآن الكريم يركّز على التوحيد في الربوبية أكثر ممّا يركّز على التوحيد في الخالقية، فكأنّ الأمر الثاني كان مسلّماً بين مشركي عصر الرسالة، دون الأوّل; ولذلك ترى أنّه سبحانه يقيم عليه البرهان العقلي الذي يعرفه العقل الحصيف ويقول: لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلاَّ اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا فَسُبْحٰانَ اللّٰهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمّٰا يَصِفُونَ 4، ويقول في آية أُخرى: وَ مٰا كٰانَ مَعَهُ مِنْ إِلٰهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلٰهٍ بِمٰا خَلَقَ وَ لَعَلاٰ بَعْضُهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ سُبْحٰانَ اللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ 5 فإنّ تقرير البرهان في هاتين الآيتين مبني على وحدة التدبير وتعدّده.
وإن شئت قلت:وحدة المدبّر وتعدّده. فلو لم يكن الشرك في التدبير متفشّياً في القوم لما ركّز القرآن الكريم على ذلك.
وأمّا تقرير البرهان في كلتا الآيتين على وجه التفصيل فموكول إلى محلّه.
إنّ الله سبحانه يردّ على المشركين بأنّ عليهم ابتغاء الرزق من الله سبحانه ويقول: إِنَّمٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ أَوْثٰاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ لاٰ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا