36
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهٰا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتىٰ بِإِذْنِي
1
.
3. التوحيد في الربوبية
بما أنّ الربّ بمعنى الصاحب، فيقال: ربّ الدار، وربّ البستان، أو ربّ الفرس، فيكون المراد به مَن يدبّر ويدير حاجات المربوب، فصاحب الدار يحمي الدار من الخراب، كما أنّ ربّ البستان يدبّر أمره بالسقي والحراسة ونحو ذلك، فعلى هذا فالله سبحانه هو خالق السماوات والأرض وما فيهما وهو المدبّر بعد الخلقة لا غيره. فإيجادها مظهر للخالقية، وتدبيرها عبر الزمان هو مظهر ربوبيته، ولذلك نرى أنّه سبحانه بعد ما يذكر خلق السماوات والأرض، يصف نفسه بالتدبير، قال: اللّٰهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمٰاوٰاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهٰا ثُمَّ اسْتَوىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيٰاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقٰاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ . 2 إلى غير ذلك من الآيات التي تنصّ على حصر تدبير الكون بالله.
ثمّ إنّ مشركي عصر الرسالة كانوا موحّدين في الخالقية دون الربوبية فزعموا أنّ تدبير العالم والإنسان موكول إلى الآلهة المكذوبة من الملائكة والجن والأصنام والأوثان، ويدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا 3، وقوله تعالى: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ 4 فكانوا يرون العزّ في الحياة والنصرة في الحرب بيد الآلهة، وبذلك يُعلم أنّ ما ذهب إليه محمد بن عبد الوهاب من أنّ مشركي عصر الرسالة كانوا موحّدين في الربوبية والمدبّرية، أمر لا يصدقه الكتاب الكريم ولا التاريخ الذي يصف عادات الجاهلية.