14 وأشاهد إرادتي الباطنة التي ليست بمحسوسة ولا فكرية، وأجد في باطن ذاتي كراهةً وحباً وبغضاً ورجاءً وتمنياً، وهكذا.
وهذا غير قول القائل: رأيتك تحب كذا وتبغض كذا وغير ذلك؛ فإنّ معنى كلامه أبصرتك في هيئة استدللت بها على أنّ فيك حباً وبغضاً ونحو ذلك. وأما حكاية الانسان عن نفسه أنّه يراه يريد ويكره ويحب ويبغض فهو يريد به أنّه يجد هذه الأمور بنفسها وواقعيتها لا أنّه يستدل عليها فيقضي بوجودها من طريق الاستدلال، بل يجدها من نفسه من غير حاجب يحجبها ولا توسل بوسيلة تدلّ عليها.
وتسمية هذا القسم من العلم الذي يجد فيه الانسان نفس المعلوم بواقعيته الخارجية رؤية مطّردة، وهي علم الانسان بذاته وقواه الباطنة وأوصاف ذاته وأحواله الداخلية وليس فيها مداخلة جهة أو مكان أو زمان أو حالة جسمانية أخرى غيرها.
والله سبحانه فيما أثبت من الرؤية التي يذكر معها خصوصيات ويضم إليها ضمائم يدلنا على أنّ المراد بالرؤية هذا القسم من العلم الذي نسميه أيضاً رؤية، كما في قوله تعالى: (أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) 1، حيث أثبت أولاً أنّه شهيدٌ على كل شيء حاضر أو مشهود لا يختص بجهة دون جهة وبمكان دون مكان وبشيء دون شيء، أي أنّه شهيدٌ على كل شيء محيط،