55
اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لاٰ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ 1 ، وفي ذلك إشارة الىٰ عجز الخليقة أن تدرك بعض صفات ذواتها في ذاتها ، أو تدري كيف كُنهها في أنفسها ،بعدم شهودهم خلق السموات و الأرض و خلق أنفسها ، فلم تملك أن تحتوي علم أنفسها في أنفسها ، فكيف تدري أو تدرك شيئاً من صفات مُوجدها من العدم وبارئها ومالكها؟!
وقال تعالىٰ : وَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنٰا زَوْجَيْنِ 2 سُبْحٰانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوٰاجَ كُلَّهٰا 3 ، وفي ذلك إشارة ظاهرة الىٰ عجزك عن إدراك كُنه بعض المخلوقات علىٰ اختلاف ذواتها وصفاتها ، وفي بعضها ما لا يخطر علىٰ قلب بشر ، فكيف بالخالق الذي نزّه نفسه بقوله تعالىٰ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ؟!
وهو - سبحانه وتعالىٰ - مباين لخلقه من كلّ وجه لا يسعه غيره ولا يحجبه سواه ، تقدّس أن يدركه حادث أو يتخيّله وَهم أو يتصوّره خيال ، كل ذلك محال .
فهو الملك القُدّوس المنزّه في ذاته وصفاته عن مشابهة مخلوقاته ، وأنت من مخلوقاته ؛ ركّبك علىٰ منوال عجيب ، وجعلك في أحسن صورة وأعجب ترتيب ، مع تنقّل تارات من ماء مهين ، فقال عزّ وجلّ : وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا الْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اللّٰهُ أَحْسَنُ الْخٰالِقِينَ 4 .
الإنسان هنا هو آدم عليه السلام وسلالته ؛ لأنّه سلّةٌ من كلّ تربة ، وكان عليه السلام يتكلم