26ما نستطيع أن نعوّل عليه في إعطاء صورة كاملة و شاملة و دقيقة عن كلّ ما سلف من أحداث؛ لأنّ أكثر ما كتب منه تتحكّم فيه النّظرة الضّيّقة (عمليّة ملاحظة الحدث منفصلاً عن جذوره و أسبابه، ثمّ عن نتائجه و آثاره) و يهيمن عليه التّعصّب والهوى المذهبي و يسير في اتّجاه التزّلّف للحكّام.
إذن، فلابدّ لمن يريد دراسة التّاريخ و الاستفادة من الكتب التّاريخيّة و التّراثيّة، من أن يقرأها بحذر و وعي، و بدقّة و تأمّل، حتّى لا يقع في فخّ التّضليل و التّجهيل.
و ليس ذلك بالأمر اليسير و السّهل، و لا سيّما فيما يربط بتاريخ الإسلام الأوّل الّذي هبت عليه رياح الأهواء الرّخيصة، و العصبيّات الظّالمة، و عَبَثت به أيدي الحاقدين، و ابتزّت منه رواءه و صفاءه إلى حدّ كبير و خطير.
... و نحن بدورنا في كتابنا هذا سوف نحاول استخلاص صورةٍ نقيّةٍ و واضحةٍ قدر الإمكان عن تاريخ نبيّنا الأعظم(ص).
ميّزات أساسيّة في تاريخ الإسلام المدوّن
إنّ تاريخ الإسلام المدوّن على ما فيه من هنات و نقص أغنى تاريخ مكتوب لأيّة أمّةٍ من الأمم، و هو يمتاز عن كلّ ما عداه بدقّته و شموله، حتّى إنّك لتجده كثيراً ما يسجّل لك الحركات، و اللّفتات، و اللّمحات، فضلاً عن الكلمات و المواقف و الحوادث، بدقّة متناهية و استيعاب لا نظير له.
أضف إلى ذلك أنّه يملك من الآيات القرآنيّة، ثمّ من النّصوص الصّحيحة والصّريحة الشّيء الكثير، ممّا لا تجده في أي تاريخ آخر على الإطلاق، و لا سيّما في جزئيّات الأمور، و في التّفاصيل و الخصوصيّات.
و ميّزة أخرى يمتاز بها تاريخ الإسلام، و هي أنّه يمتلك قواعد و منطلقات تستطيع أن توفّر للباحث السّبل المأمونة، الّتي يستطيع من خلال سلوكها أن