64ولئن كان أبو بكر من نبيِّ اللّٰه وزيره الصادق، فإنَّ عليّاً كان منه الظلّ اللاصق، لم ينأ عنه ولم يبعد إلّاكما أرسله محمّد ليكون له علىٰ أعدائه عيناً أو لرجاله طليعة، حتّى في بدء ذلك الوقت الذي أخذ رسول اللّٰه يُكوِّن فيه ملكه الصغير، ويربط بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، لم يفته أن يُؤثر بإخائه عليّاً دون الباقين، آخىٰ بين صحبه الخارجين من ديارهم معه وبين أصحاب البلدة الّذين آووا، فتخيَّر أن يكون عليٌّ أخاه في دين، لم يُواخ أبا بكر، ولم يُواخ عمر، ولم يُواخ حمزة أسده وأسد اللّٰه، ولكنه اصطفى لهذه الأُخوَّة المعنويَّة بعد أُخوَّة الدم فتاه الربيب، فآثره علىٰ كلِّ حبيب بعيدٍ وقريب.
وقد أصفقت هذه المصادر كلّها أنَّه صلى الله عليه و آله آخى بين أبي بكر وعمر، وليس فيها من مزعمة ابن حزم عينٌ ولا أثر.
129 - زيد بن أبي أوفى قال: لَمّا آخى النبيُّ صلى الله عليه و آله بين أصحابه وآخى بين عمر وأبي بكر - إلىٰ أن قال - : فقال عليٌّ: «لقد ذهب روحي وأنقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط عليَّ فلك العتبى والكرامة»
فقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله : «والذّي بعثني بالحقِّ ما أخَّرتك إلّا لنفسي وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، غير أنّه لا نبيَّ بعدي، وأنت أخي ووارثي».