59قال السنجاري : «وذكر الفاكهي ما يقتضي أنّ بناء جرهم قبل العمالقة وفي هذا نظر ، فان العمالقة قبل جرهم ، ولم يل بعد جرهم الّا خزاعة 1 ، انتهى . قلت :
هذا يقتضي أنّ جرهماً بنت البيت الشريف قبل العمالقة ، والخبر الأول يقتضي أن العمالقة بنته قبل جرهم ، وبه جزم المحب الطبري في القرى ، وروى المسعودي في مروج الذهب : أن الذي بنى الكعبة من جرهم هو الحارث بن مضاض الأصغر ، وأنه زاد في بناء البيت ورفعه 2 ، كما كان على بناء إبراهيم ، واللّٰه أعلم بحقيقة الحال 3 .
وروى الأزرقي شيئاً من خبر العمالقة ، يقتضي سبقهم على جرهم ، فإنّه روى بسنده إلى سيدنا عبد اللّٰه بن عباس رضي اللّٰه عنهما ، أنه قال :« كان بمكة حيّ يقال لهم : العماليق كانوا في عزّ [و كثرة] 4 وثروة ، وكانت لهم خيل وإبل وماشية ترعى حول مكة ، وكانت العضاه ملتفة والأرض مبقلة ، وكانوا في عيش رخي ، فبغوا في الأرض وأسرفوا على أنفسهم ، وأظهروا المظالم والإلحاد ، وتركوا شكر اللّٰه ؛ فسلبوا نعمتهم ، وكانوا بمكة يكرون الظل ويبيعون الماء ؛ فأخرجهم اللّٰه من مكة ، وسلّط عليهم النمل ، حتى خرجوا من الحرم ، ثم ساقهم بالجدب حتى ألحقهم اللّٰه بمساقط رؤوس آبائهم ببلاد اليمن ، فتفرّقوا وهلكوا ، وأبدل اللّٰه تعالى بعدهم الحرم بجرهم ؛ فكانوا سكانه إلى أن بغوا فيه أيضاً