29قرطبى در ادامه مىگويد:
«قال العلماء: ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربّه أن يكثر من ذكر هادم اللذات ومفرّق الجماعات وموتم البنين والبنات ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزياره قبور أموات المسلمين. فهذه ثلاثة امور ينبغي لمن قسا قلبه ولزم ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه، فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه واستحكمت فيه دواعى الذنب، فإنّ مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأوّل، لأنّ ذكر الموت إخبار للقلب مما إليه المصير وقائم له مقام التخويف والتحذير. وفي مشاهدة من احتضر وزيارة قبور من مات من المسلمين معاينة ومشاهدة، فلذلك كان أبلغ من الأوّل، قال صلى الله عليه و آله :
(الخبر كالمعاينة) رواه ابن عبّاس.
فأمّا الاعتبار بحال المحتضرين فغير ممكن في كلّ الأوقات، وقد لا يتّفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات.
وأمّا زيارة القبور فوجودها أسرع والانتفاع بها أليق وأجدر، فينبغى لمن عزم على الزيارة أن يتأدّب بآدابها ويحضر قلبه في اتيانها ولا يكون حظّه منها التطواف على الأجداث فقط، فإنّ هذه حالة تشاركه فيها بهيمة ونعوذ باللّٰه من ذلك، بل يقصد بزيارته وجه اللّٰه واصلاح فساد قلبه أوتقع الميّت بما يتلوا عنده من القرآن والدعاء، ويتجنّب المشي علىالمقابر والجلوس عليها، ويُسَلّم عليه أيضاً وأتاه من تلقاء وجهه، لأنّه في زيارته كمخاطبته حيّاً، ولو خاطبه حيّاً لكان الأدب استقباله بوجهه فكذلك هنا أيضاً» 1.