19ففي هذا الموقف العصيب توسّل ذوالقرنين - ذلك الإنسان الإلهي - بسبب طبيعي إذ أنّه وقف على الصلة بين الوسيلة وما يهدف إليها ، وهو سدّ الوديان بِقِطَعِ الحديد حتى إذا سوى بين الجبلين أمر الحدّادين أن ينفخوا في نار الحديد التي أُوقدت فيه حتى جعله ناراً ، وعند ذلك قال : ائتوني نحاساً مذاباً أو صفراً مذاباً ، حتى أصبَّه على السد بين الجبلين وينسد بذلك النقب ويصير جداراً مصمتاً ، فكانت حجارته الحديد وطينه النحاس الذائب .
ففي المورد وأضرابه التي بنيت عليها الحياة الإنسانية في هذا الكوكب ، لا يشترط بين الوسيلة والهدف سوى الرابطة الطبيعية أو العادية التي كشف عنها العلم والتجربة وأمّا التوسّل في الأُمور الخارجة عن نطاق الأُمور العادية ، فبما أنّ التعرّف على أسبابه خارج عن إطار العلم والتجربة بل يُعدّ من المكنونات الغيبية ، فلا يقف عليها الإنسان إلّا عن طريق الشرع وتنبيه الوحي ، وبيان الأنبياء والرسل وما ذاك إلّالأنّهم هم الذين يرفعون الستار عن وجه الحقيقة ويصرّحون بالوسيلة ويبيّنوه بأنّ هناك صلة بينها وبين ما يبغيه الإنسان المتوسّل .
وهذا الأصل يبعثنا إلى أن لا نتوسل بشيء فيما نبتغيه من رضى الربّ ، وغفران الذنوب واستجابة الدعاء ونيل المنى ، إلّاعن طريق ما عيّنه الشارع وصرّح بأنّه وسيلة لذلك الأمر ، فالخروج عن ذلك الإطار يسقطنا في مهاوي التشريع ومهالك البِدع التي تعرّفتَ على مضاعفاتها .
فالمسلمون سلفُهم وخلفهم ، صحابيّهم وتابعيّهم ، والتابعون لهؤلاء بإحسان في جميع الأعصار ما كانوا يخرجون عن ذلك الخط الذي رسمناه ، فما نَدَب إليه الشرع في مجال التوسّل يأخذون به ، وما لم