18في الشريعة وسيلة لها ، ومن أراد زيارة بيت اللّٰه الحرام يتوسّل بما يوصله إليها ، فوضوح معناه يبعثنا إلى أن نترك نقل أقوال اللغويين في ذلك المضمار وإن كانت أكثر كلماتهم في المقام متماثلة .
والمقصود منه في المقام ، هو أن يقدِّم العبدُ إلى ربّه شيئاً ، ليكون وسيلةً إلى اللّٰه تعالى لأن يتقبّل دعاءه ويجيبه إلى ما دعا ، وينالَ مطلوبه، مثلاً إذا ذكر اللّٰه سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ومجّده وقدّسه وعظّمه ، ثم دعا بما بدا له ، فقد اتّخذ أسماءه وسيلة لاستجابة دعائه ونيل مطلوبه ، ومثله سائر التوسّلات ، والتوسّل بالأسباب في الحياة ، أمر فطري للإنسان ، فهو لم يزل يدق بابها ليصلَ إلى مسبباتها ، وقال الإمام الصادق عليه السلام : « أبى اللّٰه أن تجري الأشياء إلّابأسباب فجعل لكل شيء سبباً » 1 .
إنّ الوسيلة إذا كانت وسيلة عادية للشيء وسبباً طبيعياً له ، فلا يشترط فيها إلاّ وجود الصلة العادية بين الوسيلة والمتوسّل إليه ، فمن يريد الشبع فعليه الأكل فلا يُريحه شربُ الماء ، إذ لا صلة بين شرب الماء ، وسدِّ الجوع ، فالعقلاء في حياتهم الدنيوية ينتهجون ذلك المنهج بوازع فطري ، أو بعامل تجريبي ، نرى أنّ ذا القرنين عندما دُعي إلى دفع شرّ يأجوج ومأجوج الّذين كانوا يأتون من وراء الجبل ويفسدون ويقتلون ويغيرون ، لبّىٰ دعوتهم وتمسك بالسبب الطبيعي القويم الذي يدفع به شرّهم فخاطبهم بقوله : «آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتّٰى إِذٰا سٰاوىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قٰالَ انْفُخُوا حَتّٰى إِذٰا جَعَلَهُ نٰاراً قٰالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً* فَمَا اسْطٰاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَ مَا اسْتَطٰاعُوا لَهُ نَقْباً » (الكهف96/ - 97) .